الواقع المشرد للاجئين السوريين

 
– بقلم: اكوب يعقوب

 

“””هل تريد العودة إلى الوطن؟” ,هذا السؤال سمعته مرات لا تحصى منذ سقوط الديكتاتور بشار الأسد. كان 8 ديسمبر2024 ليس فقط نهاية نظام وحشي، بل أيضًا شهادة على الصمت المخزي للمجتمع الدولي. على مدى 14 عامًا، قصف الأسد مدنه، سجن وعذب الأبرياء، استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، وحوّل ملايين السوريين إلى لاجئين منتشرون في أنحاء العالم.
لقد حوّل بلدًا بأكمله إلى ساحة معركة، حيث أصبح الموت جزءًا من الحياة اليومية، وتلاشى الأمل بين أنقاض المدن التي كانت نابضة بالحياة يومًا ما.

قد يبدو السؤال عن العودة إلى الوطن بسيطًا ومنطقيًا للكثيرين، لكنه بالنسبة لنا، نحن الذين اضطررنا إلى البدء من
جديد في المنفى، يعيد فتح جروح الماضي ويجبرنا على مواجهة حقيقة نادرًا ما تكون لها إجابات سهلة.

 

بيادق في لعبة سياسية:

منذ وصولنا إلى الدنمارك، عشنا تحت تهديد مستمر بالترحيل، وسحب تصاريح الإقامة، وتذكير دائم بأن وجودنا هنا يجب أن يكون مؤقتًا فقط. منذ البداية، كانت أوضاعنا كسوريين محكومة بعدم اليقين، وبتأثير الأجندات السياسية اليمينية، والإسلاموفوبيا، وفي أفضل الحالات، افتقار تام للتعاطف أو الفهم لواقعنا وخلفياتنا وإنسانيتنا.
لم نكن مجرد لاجئين بل كنا قطعًا في لعبة سياسية. تم استخدام حياتنا كأدوات في المناقشات السياسية، كرموز في الجدالات، وكوسيلة للحكام لإظهار قوتهم. تم تشكيل رواية عنّا بدوننا، حيث انتقلوا بين إدانتنا، وتحملنا على مضض، واستغلالنا، وفقًا لما يخدم مصالحهم.

لكن هذه المعاملة للسوريين في الدنمارك ليست سوى امتداد لنفس المنطق الذي سمح لعقود باستمرار القصف والتعذيب والتهجير في سوريا. لم يكن أحد يريد أن تنجح الثورة السورية، ولم يرغب أحد في أن تصبح الحرية حقيقة. لقد حملنا ألمنا، وتحملنا خسائرنا، لكننا رفضنا أن نفقد كرامتنا.

 

الدنمارك ساهمت في إطالة معاناة الشعب السوري

لم يكن هذا الفشل مجرد خطأ أخلاقي، بل كان خطوة سياسية لها عواقب لا تزال ملموسة حتى اليوم. اتخذت الدنمارك قرارات ساعدت على تالتطبيع مع نظام الأسد وحرمت اللاجئين السوريين من الأمان. من المفارقات أن الدنمارك لعبت دورًا أكبر مما يتخيله البعض في ترسيخ سلطة الأسد – ليس بالسلاح أو التمويل، ولكن من خلال قرارات سياسية منحت شرعية لنظامه. منذ عام 2019، قررت الدنمارك أن بعض المناطق في سوريا – بما في ذلك دمشق وريفها – أصبحت آمنة لعودة اللاجئين السوريين.
وقد واجهت هذه السياسة انتقادات شديدة من منظمات حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية، التي أكدت أن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة. من خلال إعلان مناطق في سوريا على أنها “آمنة”، ساهمت الدنمارك بشكل غير مباشر في تعزيز قبضة الأسد على البلاد
أرسلت هذه السياسة رسالة مفادها أن النظام استعاد السيطرة وأن حكمه أصبح مقبولًا مرة أخرى.

 

السؤال الوجودي:

ما هو الوطن؟ الوطن؟ أين وطني؟ هل هو سوريا، حيث تم قصف منزلي الذي نشأت فيه؟ حيث اختفى أصدقائي في السجون؟ حيث قُتل شعبي تحت وطأة الديكتاتورية؟ أم هو الدنمارك، حيث أعدت بناء حياتي، وخلقت مستقبلي، وأصبحت قادرًا على التنفس دون خوف؟
الوطن. كلمة تبدو بسيطة، لكنها تحمل في طياتها طبقات من الذكريات، الفقدان، والحنين. هل الوطن هو عنوان، مشهد، طفولة تعبق برائحة البهارات المألوفة وصدى الأصوات التي تتحدث بلغتك؟ أم أن الوطن شيء أعمق – إحساس بالطمأنينة، خيط غير مرئي يربطك بشيء أكبر من مجرد المكان؟
بالنسبة لي، الوطن ليس مجرد نقطة على الخريطة، بل هو شعور – إحساس بالأمان، بالانتماء، بالتعرف على ذاتي وسط الآخرين.

ربما لا يوجد الوطن في بلد معين، بل في الأشخاص، في الذكريات، في النضال المستمر لإيجاد مكان ننتمي إليه. فما الذي يجعل مكانًا ما وطنًا؟ هل هي الذكريات التي شكّلتنا؟ أم الحاضر، حيث نجد أناسًا ومجتمعات تمنحنا شعورًا بالانتماء؟
ربما لا يكون الوطن شيئًا نبحث عنه، بل شيئًا نصنعه – يومًا بعد يوم، في اللحظات الصغيرة التي نشعر فيها بأننا مرئيون، مفهومون، ومقبولون. ربما يوجد الوطن في لغة لا تزال تذكر اسمك، في نظرة تعترف بك، أو في الأمان الذي لم تعد تأخذه كأمر مسلم به.

فما هو الوطن؟ إحساس؟ وهم؟ أم شيء علينا تشكيله بأنفسنا، في كل مرة يمزقنا الواقع بعيدًا عما اعتقدنا أنه وطننا؟ بالنسبة للبعض، الوطن هو وجهة. بالنسبة للآخرين، هو رحلة. وبالنسبة للكثيرين منا، لا يزال الوطن سؤالًا نحاول الإجابة عليه.
لكن ماذا لو لم يكن الوطن خيارًا؟ ماذا لو كان المكان الذي غادرناه لم يعد موجودًا – أو لم يكن وطنًا حقيقيًا منذ البداية؟ سؤالنا عما إذا كنا نريد العودة إلى الوطن هو تبسيط مفرط لصراع أعمق بكثير.
لأن الوطن ليس مجرد موقع جغرافي – بل هو مكان نشعر فيه بالأمان، بالتقدير، وبأن أصواتنا مسموعة. حتى تصبح سوريا بلدًا يقوم على العدالة، الحرية، والديمقراطية، فلن تكون وطنًا يمكننا العودة إليه. لذا لا، لا يمكنك أن تأخذ مني الوطن الذي بنيته هنا. لأن وطني هو حيث أكون حرًا.